رحلتي من الشك إلى الإيمان للدكتور مصطفى محمود: رحلة فلسفية وعلمية في البحث عن الحقيقة المطلقة

يوثق الكاتب رحلته من الشك المادي إلى الإيمان الروحاني عبر منهج علمي وفلسفي عميق. ويناقش في الكتاب إشكالية العلاقة بين العلم والدين، ويطرح تساؤلات وجودية كبرى مثل: هل يمكن تفسير الكون بالمادة وحدها؟ وما الدليل على وجود الخالق في عصر التكنولوجيا؟ (تابع القراءة ◄)

ملخص كتابدين

my-journey-from-doubt-to-faith-by-dr-mustafa-mahmoud
my-journey-from-doubt-to-faith-by-dr-mustafa-mahmoud
المقدمة

يُعتبر كتاب "رحلتي من الشك إلى الإيمان" للدكتور مصطفى محمود أحد أبرز الأعمال الفكرية العربية التي تناولت إشكالية العلاقة بين العلم والدين، والشك والإيمان، عبر سرد شخصي عميق لرحلة الكاتب الفكرية والنفسية.

صدر الكتاب في سبعينيات القرن الماضي، لكنه لا يزال يحتفظ بأهميته بسبب جرأته في طرح الأسئلة الوجودية الكبرى، مثل: ما أصل الكون؟ وما حقيقة الخالق؟ وكيف يتعامل العقل البشري مع الغيبيات؟

في هذا المقال، سنستعرض محاور الكتاب الرئيسية، مع تحليل لمسار رحلة محمود من الشك المادي إلى الإيمان الروحاني، مستندين إلى منهجه العلمي والفلسفي، وأثر هذه الرحلة على الفكر العربي المعاصر.

المحور الأول: مصطفى محمود: الرجل الذي جسّد صراع العصر بين المادة والروح

وُلد مصطفى محمود (1921–2009) في بيئة مصرية محافظة، درس الطب وتخصص في الأمراض النفسية، لكن شغفه بالعلوم الطبيعية والفلسفة قاده إلى تبني الفكر المادي في شبابه، متأثرًا بتيارات القرن العشرين التي روجت لسيطرة العلم على كل المجالات، بما فيها ما وراء الطبيعة.

في كتابه، يصف مصطفى محمود كيف تحوّل من طبيب مادي ينكر وجود الغيب إلى مفكر يؤمن بأن العلم والدين ليسا نقيضين، بل طريقان متكاملان لفهم الوجود. ويشير إلى أن نقده اللاذع للمؤسسات الدينية الرسمية، والتي رأى أنها تروج لشكلٍ مشوّهٍ للإسلام، لم يمنعه من البحث عن إيمانٍ شخصيٍ عميقٍ قائم على العقل والمنطق.

المحور الثاني: أزمة الشك: عندما يصطدم العلم بالغيبيات

يبدأ الكاتب رحلته بسرد تفاصيل أزمة الشك التي عاشها في مرحلة مبكرة من حياته، حيث تساءل:

- كيف نثبت وجود الله في عصر الذرة والصواريخ؟

- هل يمكن تفسير الكون عبر قوانين الفيزياء وحدها؟

- ما مصير الأديان في ظل التقدم العلمي؟

اعتمد الكاتب في هذه المرحلة على منهج الشك الديكارتي، الذي يرفض قبول أي حقيقة دون دليل مادي. لكنه سرعان ما أدرك محدودية العلم في الإجابة عن الأسئلة الوجودية، مثل: من أين جاءت قوانين الطبيعة؟ ولماذا يوجد الكون أصلاً؟

هنا، ينتقل الكاتب إلى مرحلة جديدة، يطلق عليها "الشك في الشك نفسه"، حيث يبدأ في مراجعة مسلّماته المادية، مستندًا إلى نظريات فيزياء الكم التي تُظهر أن المادة ليست صلبة كما تبدو، بل هي طاقة مُنظمة بقوانين رياضية دقيقة، مما دفعه للتساؤل عن مصدر هذه "الدقة الرياضية" في الكون.

المحور الثالث: من الشك إلى الإيمان: كيف وجد محمود التوازن بين العقل والقلب؟

يشرح الكاتب في هذا الجزء الأهم من الكتاب كيف قاده المنطق العلمي نفسه إلى الإيمان، عبر حججٍ منها:

- حجة النظام الكوني: يشير إلى أن تعقيد الكون وتناسقه يدلان على وجود مُنظِّم عاقل، مُستشهدًا بقوله: "الكون كله آية... فكل ذرة فيه تنطق باسم الله".

- حجة الغائية في الطبيعة: ينتقد فكرة "الصدفة" في تفسير نشأة الحياة، قائلاً إن احتمالية تكوّن خلية حية بالصدفة أقل من احتمالية انفجار مطبعةٍ وتكوينها لقصة مكتملة المعنى!

- البُعد الروحي للإنسان: يرى أن الإنسان ليس مجرد جسد، بل لديه وعيٌ وضميرٌ لا يُفسَّر بماديات، مما يدل على وجود "الروح".

لكن الكاتب يحرص على تأكيد أن إيمانه ليس إيماناً تقليدياً، بل هو إيمان عقلي، قائم على البحث الحر، ويرفض الخرافات التي علقت بالدين عبر التاريخ.

المحور الرابع: نقد المؤسسات الدينية: هل يعادي د. مصطفى محمود الأديان؟

واحدة من أكثر النقاط إثارة للجدل في الكتاب هي هجوم محمود على المؤسسات الدينية، التي يراها مسؤولة عن تشويه صورة الإسلام عبر:

- التركيز على المظاهر والشعائر دون الجوهر الأخلاقي.

- تحويل الدين إلى سلطة قمعية بدلًا من كونه مصدرًا للتحرر الروحي.

- رفض النقاش العقلاني للقضايا الدينية بحجة أنها "مسلّمات".

لكنه يوضح أن نقده ليس للدين نفسه، بل للفهم البشري القاصر له، داعياً إلى إسلام تنويري يتصالح مع العقل والعلم.

المحور الخامس: الكتاب في الميزان بين الإشادة والانتقاد
أثار الكتاب عند صدوره ردود فعل متباينة:

- المؤيدون: أشادوا بشجاعة محمود في كسر تابوهات الشك والإيمان، واعتبروه جسراً بين التراث الديني والحداثة العلمية.

- المنتقدون: اتهمه البعض بالتمييع الديني، خاصةً من بعض التيارات السلفية التي رأت في نقده للمؤسسات الدينية مساسًا بثوابت الإسلام.

من الناحية الأكاديمية، يُعتبر الكتاب محاولة جريئة لبناء لاهوت عقلاني إسلامي، لكن بعض الفلاسفة مثل حسن حنفي رأوا أن حجج محمود العلمية لم تكن دقيقة دائمًا، كاستخدامه لنظريات علمية تجاوزها الزمن (مثل نظرية الانفجار العظيم في صيغتها المبكرة).

المحور السادس: إرث الكتاب وتأثيره على الأجيال اللاحقة

رغم الجدل، يبقى لـ "رحلتي من الشك إلى الإيمان" فضل إثارة النقاش حول قضايا ظلت مُهمَّشة في الثقافة العربية، مثل:

- ضرورة فصل الإيمان عن الفهم التراثي المُتحجِّر.

- إمكانية تكامل المنظور العلمي مع الرؤية الدينية.

- حقوق الإنسان في الشك والبحث دون وصاية.

كما ألهم الكتاب جيلاً من المفكرين، مثل عمرو شريف وندى أبو ميزر، الذين ساروا على خطى محمود في الجمع بين العلم والإيمان.

خاتمة: لماذا نعود لقراءة مصطفى محمود اليوم؟

في عصر تتصاعد فيه الأصوات المتطرفة، سواءً الدينية أو الإلحادية، يقدم كتاب "رحلتي من الشك إلى الإيمان" نموذجاً لـإيمان متوازن، لا يرفض العقل ولا يتنكّر للقلب. إنه دعوة لإعادة اكتشاف الدين كـتجربة روحية شخصية، وليس كمجرد طقوس جوفاء.

أخيراً، يُذكر أن الكاتب نفسه لم يدّعِ امتلاك الحقيقة المطلقة، بل ختم كتابه بعبارة تواضع: "أنا لا أزال في الطريق... ربما أكون مخطئًا، لكنني أبحث".